عودة أكريمامدخل:
يا مريا أنا من أفريقيا جوعان كالطفل الصغير
وأنا أهفو إلى تفاحة حمراء من يقربها يصبح مذنب!!!!!!!
الشاعر صلاح أحمد إبراهيم
من بحار نائيات أتت ابنة الصياد، كما جاءت أول مرة، تمارس هواياتها القديمة في إفتان الناس والتلاعب بالقلوب، لما تمتلكه من جمال فتان، وملامحها الأنثوية الفائقة، وحديثها العذب وصوتها الغرّيد، لا تزال بكامل مفاتنها ونعومتها هي فاتنة القوم بلا منازع، ولا تزال ترى في الحي ألعوبتها المحببة ولا تزال القلوب تتمايل مع أنغامها العذبة.
وبلا ريب هي ضالة تلك القلوب المتشوقة إلى لقياها مرة ثانية ومغازلتها والتمتع بالحديث إليها، لا تزال برغم مرور السنين ببريقها وألقها القديم، ولا تزال تتلاعب بالجميع، ولا يزال أبناء الشيخ (بارتي) الذي رحل غابراً معه سره القديم، ذلك السر الذي أدركته ابنة الصياد دون اجتهاد منها لضآلة أفقها... ودون ما تفوق عقلي.. ولكنها أدركته عن طريق المصادفة وخلو المكان من أعين الناس... وهل أبت الفراشة يوماً أن تنهل من الرحيق الملون اللذيذ؟ وما زالت خطب شيخنا الراحل يضج صداها في الآفاق وفي الآذان وأحاديثه الطويلة عن الزهد والحكمة وعن اليوم الآخر، ولا تزال أطلال بيت ابنة الصياد تختزن في أعماقها ذلك السر الكبير، وصبيانية الشيخ الجليل الذي رحل قبل سنين..... بعد مرور السنين يتذكرون تلك الروايات القديمة عنها، وعن اختفاءها المفاجئ، ولكن ما لم يكن في حسبانهم أن تعود مرة أخرى تمشي على ساقين بلحم ودم وبذات الرونق القديم......لا شك إن هذه البنت تحمل سرا عظيماً مختبئاً داخل ذلك الجسد الذي يضج فتنة وأنوثة..
ولا زالت نساء الحي تتذكر نيران الغيرة التي أشعلت وأحاديث الحي عن الهيام في تلك الأيام بل السنين الخوالي، ولا تزال أميرات القوم يمارسن حديثهن القديم، حديثهن المشبوب بالغيرة والحسد، ولا تزال أمهات الحي بعد أن فقدن رونقهن الشبابي يحكن الأحاديث تلو الأحاديث ولا يزال رجال الحي في هواياتهم القديمة في التلون والانبهار.... نار هنا ونار هناك... ليضج ذلك الحي الهادئ حريقاً في أعماقه..
رجعت تلك التفاحة اليانعة إلى غصنها القديم، وهي أكثر ازدهاراً ونضجاً، تدغدغ الأحياء منهم والأموات.. ترسل سهامها القاتلة نحو القلوب وترمي في كل الاتجاهات دون تفريق ودون رحمة.. ها هي طيوف الذكريات تفرد أجنحتها من جديد لتحلق بذلك الحي الهادئ الوديع.
وتضج الحياة والنور والنار من جديد في قلبه وتخومه بعودة تلك الساحرة، كل ذلك الألق الذي غاب زمناً طويلاً يعود من جديد كعودة المطر إلى أرض أثقلها اليباب، فعاد المطر بكل ما يحمل من خضرة ومن حيوية متجددة، أخضر الحي بعودتها ورجعت دائرة الذكريات إلى الوراء بالكثيرين وتقاطيع أوكريما (الجمال الذي هزم والوقار) لا تزال كما هي بكامل وهجها القديم ونظراتها القاتلة....... ولا تزال النيران تشتعل كلما رف جفن لها ومع كل ضربة رجل تضج القلوب حريقاً وتزداد دقاتها إلى أقصى ما يمكن أن تصل ولا زال العارفون يواصلون تمردهم ضد العواطف وضد الجمال في معرفة تلك الطلاسم التي تحيط بهذه الفتاة اليافعة اليانعة بينما تجتاح النيران الحي شيئاً فشيئاً!!!!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟